«تذكرة» قصة قصيرة للكاتب حسن رجب الفخراني

الكاتب حسن رجب الفخراني
الكاتب حسن رجب الفخراني

ادعاء التجلد والصبر ليس مجرد كلمات جوفاء , أتشدق بها لتلميع شخصيتي وإضفاء تلك الصفات عليها , وإنما هي وليدة الصهر في أتون التعامل اليومي الحياتي .

 أذهب الساعة السادسة مساءً لحجز تذكرة قطار فاتحا صدري كأبطال الإغريق , تقابلني  أول الصدمات

: ألا تفهموا ,لا يوجد حجز .

هذا ما يخبرني به الموظف الجالس خلف الحاجز الزجاجي بعد أن ملت قدمي من الوقوف في طابور طويل, ولا يكتفى بذلك بل ينظر إلي شذرا وربما في احتقار وقبل أن ألملم بقايا انكساري وفشلي الذريع وأودع تلك القمرة الصغيرة التي تظهر الوجه القميء لكائن فضائي يسمى موظف غلظ لي الإيمان أنه لا يعرف شكل تذكرة القطار التي أطلبها إذ به يرتجف فجأة وأحدهم يمد يده في استعلاء بورقة تشع منها الهيبة يلتقطها كما الدجاج جين يلتقط الحب من الأرض , وقد غرس ملامح وجهه الجامدة بالورد والياسمين مغمغما في ذل جلي

:  اسمح لي حضرتك بلحظة فقط .

امتدت يده وكأنها خلقت تذكرة من العدم وأعطاه إياها قائلا في تذلل

:  بالله عليك لا تنسي أن تبلغ معاليه تحياتي القلبية .

تركت هذا المشهد العبثي وأقنعت نفسي بأن أتنازل عن المقعد المكيف الذي بلا تكييف فما عيبه الكرسي الخشبي الجامد؟ علي الأقل يشد الظهر والعمود الفقري ومن يدري ربما هو الطب البديل الذي قد يصفه الأطباء لمرضى الغضروف ذات يوم.

 : ما أرخص العلاج بمقعد في قطار السكة الحديد

 أفقت من شرودي, وأنا كالتائه أمام موظف فضائي آخر لا يختلف كثيرا عن سابقه الوجه الحجري والعيون التي لا يقر لها قرار والأيدي التي لا تكف عن العلاج لدى أطباء المخ والأعصاب وما زالت رغم كل أنواع البرشام الممنوع تداوله إلا بروشتات ممهورة بتوقيعهم لا تكف حتى ربما في نومها عن الارتعاش.

طلبت منه وكلماتي يغلفها الرجاء وتمتزج بمسكنه اكتسبتها من بعض من كان مثلي يحلم بالحصول على التذكرة العزيزة أن يهبني واحدة , إلا أنه شح حتى في الرد ولو بكلمة واكتفى بتحريك رقبته ثم دفن وجهه في شاشة الجهاز الذي لا أعرف من أي كوكب جاء ومثلما فعل معي كان هذا هو تصرفه الثابت مع باقي الصف الذي كان خلفي وللحق احترمت فيه ثبوته على المبدأ ونظرته واشباهه على تكرمهم بقذفهم نظراتهم الدونية علينا .

الوقت تأخر وليس هناك من حل سوى ارتقاء أي قاطرة تبحر في الامواج الكونية ولا مانع من الوقوف طوال يوما أو أكثر على الأقدام ومزاحمة البائعة الجائلين ولصوص الظلمة ولا بأس من دفع غرامة أضعاف ثمن الدرة الثمينة ذاتها ونظرة المحصل هو الآخر لنا وكأننا ارتكبنا الإثم العظيم.

 امتدت يدا لي ترتدي زيا غامقا بوجه باهت الملامح , كأنها يدا امتدت من قلب الدرك الأسفل من جهنم لتلقيني في أهون درجات النار وصاحبها بتوجس انحني علىّ قائلا في همس مقيت

: إلىّ بثمن التذكرة ولا تبخسني حقي في شراب الشاي

 فعلا دسست يدي في جيبي الحزين وأخرجت من حافظتي ما طلبه .

لم يكمل البرهة وعاد الي متهلل الأسارير وهو يدفع في راحتي من أظنها هي راحتي من شوك الأرصفة وللأمانة لم أكن أظن أن المعجزات لا تزال تحدث إنما أن أحصل علي تذكرة بعد أن أقسمت شاشة التذاكر نفسها أنها خالية الوفاض وهي لا تحب المنافقين والنفاق سرت في اتجاه الرصيف في انتظار مجيء القطار الذي من المفروض أن يصل في غضون دقائق قليلة وأنا كأني عائد من معركة ومعي عظيم الغنائم مرت الدقائق والساعات وبدأ الليل يميل للنوم من كثرة همومه ليعطي الفرصة لشعاع الفجر الوليد أن يمحيه كلية وأنا لا زالت بين الفينة وقريبتها اسأل ناظر المحطة: بالله عليك هل حقا سوف يأتي قطار؟